بدأ الصحفي أندرو ميلز روايته للإعلان الجديد عبر تسليط الضوء على الخطوة التي تدفع قطرى ديار، الذراع العقاري لجهاز قطر للاستثمار، إلى استثمار 29.7 مليار دولار في مشروع فاخر على ساحل البحر المتوسط في مصر؛ خطوة تصعد داخل مشهد اقتصادي مأزوم يحاول فيه الاقتصاد المصري النجاة من ضغوط الدين الخارجي وعجز الموازنة وتراجع العملة. يوضح ميلز أنّ المشروع يستهدف إنشاء وجهة سياحية وسكنية على مدار العام، تتضمن ملاعب جولف ومرافئ وحيزات سكنية ومدارس وجامعات ومؤسسات حكومية، فوق شريط ساحلي مهمل يمتدّ 7 كيلومترات غرب الإسكندرية بنحو 480 كيلومترًا.
تذكر رويترز أنّ القاهرة تحاول منذ سنوات جذب الاستثمارات الأجنبية، خصوصًا من دول الخليج الثرية، لإنعاش اقتصاد يواجه تحديات حادة في التمويل الخارجي. يظهر المشروع باعتباره أضخم استثمار قطري يدخل مصر منذ عودة العلاقات الدبلوماسية بعد الأزمة بين 2017 و2021، حين اتّهمت دول عربية الدوحة بدعم الإرهاب والارتماء في أحضان إيران، وهي اتهامات نفتها قطر. يكشف المصدر المطلع أنّ المشروع يأتي ضمن تعهد قطري بإجمالي 7.5 مليار دولار، ويعادل في حجمه منافسة مباشرة لمشروع رأس الحكمة الذي تطوره الإمارات على الساحل ذاته.
يحدد الاتفاق بين قطرى ديار وهيئة المجتمعات العمرانية دفعة نقدية 3.5 مليار دولار ثم استثمارًا عينيا 26.2 مليار دولار لتنفيذ مشروع يمتد على نحو 1985 هكتارًا من الأراضي الساحلية. وتوضح المصادر أنّ الطرف القطري سيسترد كامل استثماراته أولًا، ثم تحصل هيئة المجتمعات العمرانية على 15% من إيرادات المشروع السنوية، والمتوقّع أن تتجاوز 1.8 مليار دولار. يعكس ذلك نموذجًا سعوديًا-إماراتيًا مألوفًا في الضخ الرأسمالي مقابل حقوق تطوير ممتدة.
تستعد الحكومة المصرية للإعلان عن الصفقة خلال مراسم يشهدها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وتشير الدعوات الإعلامية إلى أنّ الاتفاق يغطي منطقتي سِميلّة وعلم الروم في محافظة مطروح. وتلفت رويترز إلى أنّ الصفقة قد تفتح الطريق أمام مصر للحصول على 2.5 مليار دولار من دفعات صندوق النقد الدولي المتوقفة ضمن برنامج دعم بقيمة 8 مليارات دولار وقعته القاهرة عام 2024. كان غياب الاستثمار القطري المتعهد به هو ما عطل مراجعات الصندوق خلال الصيف الماضي.
ينعكس الإعلان سريعًا على الأسواق؛ إذ ترتفع السندات السيادية المصرية، وتتحول من خسائر صباحية إلى مكاسب تصل 0.72 سنتًا، مع صعود سند 2059 إلى 86.92 سنتًا على الدولار، في إشارة إلى استعادة ثقة جزئية من المستثمرين. يعكس ذلك توق المصريين لأيّ تدفق استثماري خارجي قادر على تخفيف الضغوط على الجنيه وتقليص فجوة التمويل.
تسعى القاهرة إلى تحويل ساحل المتوسط إلى مركز سياحي واستثماري كبير، وتتعامل مع الاستثمار القطري باعتباره مكملًا لمشروع رأس الحكمة الإماراتي. تراقب السعودية بدورها مواقع أخرى، منها رأس جميلة قرب شرم الشيخ، لكنّ الرياض تعطي الأولوية لمشروعاتها السياحية الداخلية حاليًا، بحسب تصريحات وزير السياحة السعودي.
تملك قطرى ديار حاليًا أصولًا بارزة في مصر، مثل فندق سانت ريجيس القاهرة ومشروعات CityGate وNEWGIZA غرب العاصمة. وتوضح رويترز أنّ الاستثمارات الجديدة تتسق مع توجه قطري لتوسيع الحضور العقاري في منطقة تشهد سباقًا خليجيًا على مشروعات السياحة الفاخرة.
يمرّر ميلز في تقريره خلفية اقتصادية تعطي إعلان الاستثمار وزنًا أكبر؛ إذ يواجه الاقتصاد المصري مستويات غير مسبوقة من التضخم، وتراجعًا في قيمة العملة، وارتفاعًا في الدين الخارجي يتجاوز 165 مليار دولار، وضغوطًا معيشية متصاعدة. لذلك يظهر ضخ استثمار ضخم بهذا الحجم بمثابة محاولة لالتقاط الأنفاس، حتى وإن ظلّ قائمًا على نماذج استثمارية تُسلِّع السواحل المصرية لصالح رؤوس أموال خليجية.
تمنح الصفقة للقاهرة فرصة لاستعادة بعض الثقة الدولية، وتفتح بابًا لتدفقات إضافية إذا ارتفعت وتيرة المشروعات الكبرى على الساحل الشمالي. لكنّ المشهد يظل معلّقًا بين طموح سياحي ضخم وواقع اقتصادي مثقل بالديون، لتصبح مشاريع مثل علم الروم اختبارًا جديدًا لمدى قدرة مصر على اجتذاب رأس المال الخارجي وتحويله إلى نمو فعلي، لا مجرّد ترياق قصير المدى.

